وحدة مقترحة لتنمية مهارات التعايش والاتجاه نحو تقبل الاختلاف لدى طلاب المرحلة الثانوية الدارسين لمادة علم النفس

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

المستخلص

يعد الاختلاف سنة کونية، مظاهرها تتجلى في اختلاف الليل والنهار، والفصول الأربعة، واختلاف ألوان البشر، واختلاف أعراقهم وتوجهاتهم وطبقاتهم وخلفياتهم الثقافية.
وحتى يکون الاختلاف ظاهر صحية معتبرة ونافعة بعيداً عن الاختلاف المذموم الذي يزرع العداوة والبغضاء بين أفراده ويبدد الطاقات المبذولة، لابد من فهم الاختلاف وأبعاده وأهميته وآدابه وضوابطه، من أجل تقبل الاختلاف والبعد عن الانقياد.
ويعد الطلاب في المرحلة الثانوية في مرحلة فاصلة من مراحل عمرهم ويواجهون العديد من الاختلافات فيما بينهم من حيث الدين والجنس والمستوى الاقتصادي والاجتماعي والخلفية الثقافية والتوجهات السياسية والفکرية، الأمر الذي يؤدي في کثير من الأحيان إلى الصراع بينهم بسبب عدم تقبل تلک الاختلافات.
وقد شاع في الآونة الأخيرة – بعد ثورة 30يونيو – خلافاً فکرياً کبيراً کاد أن يعصف بجميع فئات المجتمع، فکان من الأهمية ضرورة تسليط الضوء على هذه الفئة من الشباب من أجل مواجهة خلافاتهم وتقبلها واحترامها من أجل سلامة ووحدة المجتمع.
ويعرف تقبل الاختلاف عند علماء الاجتماع بأنه: "قبول رأي وسلوک الآخر والقائم على مبدأ احترام حريته وطريقة تفکيره وسلوکه وآرائه (المحامي، محمد أبو غدير، 2015).
وتعرفه "آمال زکريا" بأنه الاتجاه نحو الآخرين بانفتاح ودون إصدار أحکام عليهم، واستعداد الفرد أن يسمح للناس بفعل أو قبول أو اعتقاد ما يريدونه دون معاقبتهم أو انتقادهم. (النمر، آمال زکريا، 2016، 9)
وتتضح أهمية تقبل الاختلاف لدى الفرد بصفة عامة وللطلاب بصفة خاصة في أنه طريقنا لمواکبة التغيرات المختلفة التي تلحق بحياة الفرد، فنحن نغير باستمرار أماکن تواجدنا والأشخاص اللذين نتعامل معهم ونتنقل عبر بيئات مختلفة، والاختلاف يثري حياة الفرد بالخبرات المتنوعة ويجعله أکثر نضجاً وابتعاداً عن الجمود الفکري والتطرف (Caleb, Rasado, 2012).
ونظراً لتلک الأهمية قامت العديد من الدراسات بتناول تقبل الاختلاف مثل دراسة (رحاب القرني، 2011) التي أکدت أهمية تضمين مفهوم تقبل الاختلاف في مناهج الدراسات الإسلامية وأهمية إعلاء قيمة تقبل الاختلاف عند المعلمات لأنه مبدأ أساسي في التربية الإسلامية الحديثة ومن دلائل ذلک قوله تعالى: (ولَوْ شَاءَ رَبُّکَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً ولا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) .
وقد استدلت في دراستها بالکثير من الآيات القرآنية الأحاديث النبوية وآراء العلماء والفقهاء على أهمية تقبل الاختلاف، إلا أن نتائج الدراسة أشارت إلى ضعف تناول مفهوم تقبل الاختلاف في الکتابات الإسلامية الحديثة.
أما دراسة (تيريزا دي فازيو، 2015) أکدت أهمية تدريس مفهوم تقبل الاختلاف في المدارس، وأن احترام الذات ومعرفة الآخر من أهم مقومات المناهج الحديث کما تواکب التطورات العالمية وظهور المدارس الدولية التي تضم طلاب من جنسيات مختلفة وأشارت إلى أن ليس معنى الاختلاف محو الفردية بل هو احترام الفرد لأفکاره لأقصى درجة من قبل الآخرين. (دي، فاريو، 2015)
أما التعايش فهو من المفاهيم التي استخدمت کثيراً في مجال السياسة والحرب والسلم بين الدول تحت مسمى التعايش السلمي، واستخدم في مجال التربية وعلم النفس باسم التعايش مع الضغوط، وقد ذخرت أيضاً المکتبة الإسلامية بمواضيع تتعلق بثقافة التعايش في الإسلام وأنواع التعايش الديني وضوابطه إلى أن ظهر مؤخراً مصطلح التعايش کمهارات واستراتيجيات وقيم وأبعاد، وبدأ التربويون يشيرون إلى أهمية تناول المناهج الدراسية لقضايا التعايش.
والتعايش لغة: مشتق من العيش، والعيش من الحياة وما تکون به الحياة من مطعم ومشرب وملبس، وتعايشوا أي عاشوا على الألفة والمودة، وعايشه أي عاش معه. (الأسدي، ناصر حسين، 2014).
ويقصد بالتعايش اصطلاحاً: علاقة تفاعلية في بيئة مشترکة بين فئات مختلفة بغرض تحقيق استفادة أو تبادل منافع في ظل جو من الاحترام والمودة (الخطيب، عبد الله عبد الرحمن، 2012: 232).
وهو أيضاً عبارة عن علاقة إنسانية متبادلة مع الآخرين قائمة على الألفة والمسالمة والمهادنة والتواصل والتفاعل وصولاً إلى التکامل الإنساني (محمد، حياة عبد العزيز، 2017: 9)
ومن التعريفات السابقة نجد أن فلسفة التعايش تبنى على الأسس التالية:
1-   البيئة التي يعيش فيها الفرد ملک مشترک للجميع.
2-  الاختلاف بين الفئات سيظل قائماً.
3-   العلاقة التفاعلية تبنى على الاستفادة المتبادلة.
4-   جوهر التعايش هو احترام حق الآخر أن يمتلک فکراً مغايراً.
5-   ليس الهدف من التعايش تمييع الاختلافات ودمجها فهذا أمر سيء بل الهدف هو احترام اختلاف الآخرين عني.
وقد تبنت الباحثة تعريف (محمد، سعيد عبد الرحمن، 2008) للتعايش بأنه: سلوک فکري وعملي في شتى نواحي الحياة بغض النظر عن الخلفيات الثقافية والاجتماعية، يعترف فيه کل جانب بحق الاخر في الحياة والوطن والدين من غير تمييز أو تحيز.
ومن التعريف السابق يتضح أن تنمية التعايش کسلوک فکري وعملي يحتاج إلى استراتيجيات تدريس متنوعة لتحقيق هذا السلوک ولکي يمارسه الفرد في حياته بصورة طبيعية فلابد أن يصل إلى أن يکون مهارة تکتسب وتعلم وتمارس.
وأول دراسة أشارت إلى استراتيجيات التعايش کانت دراسة (محمد، سعيد عبد الرحمن، المرجع السابق) وحددت خمس استراتيجيات هي: إعادة البناء المعرفي، تحسين الاستبصار، حل المشکلات، التواصل الاجتماعي، المساندة والدعم الاجتماعي.
ثم أضافت دراسة (تيريز، 2015) استراتيجية جديدة للتعايش تعرف باسم CURL وتعني Care اهتمام، Understand تفهم، Respect احترام، Listen استمع. (دي فازيو، تيريز، 2015).
وتنبثق کل استراتيجية من الاستراتيجيات السابقة من نظريات مختلفة في علم النفس، فمثلاً: استراتيجية إعادة البناء المعرفي ناتجة عن نظريات العلاج السلوکي المعرفي واستراتيجية تحسين الاستبصار مشتقة من نظرية الجشطلت واستراتيجيتى التواصل الاجتماعي والمساندة الاجتماعية مشتقة من نظرية هندسة الاتصال البشري.
أما مهارات التعايش فقد تناولتها عدد من الدراسات مثل دراسة (حياة، عبد العزيز، 2017) التي تناولت مهارات مثل: الإقرار بمبدأ الاختلاف سنة کونية، الانطلاق من القضايا المشترکة، تجنب استشارة مشاعر العداوة، التسامح فيما اختلف فيه، التعاون في المتفق عليه، الحوار العقلي والعلمي، والعدالة الاجتماعية ونبذ العنف.
ودراسة (عزيز، زيتوسواري، 2017) التي أکدت أن هناک أربع مهارات رئيسية للتعايش هي التسامح، الحوار، التعاون، قبول الآخر.
ودراسة (العجرفي، عبد الله ناصر، 2017) أکدت أن مهارة التسامح وحدها کفيلة بتغيير نظرة الفرد للحياة وتجعله متقبلاً لکل من يختلف عنه حتى وإن کانوا من ذوي الاحتياجات الخاصة.
وعن أهمية مهارات التعايش في حياة المراهقين تناولت دراسة (کاثرين مورکاي، 2017) مهارات التعايش،وقدرتها على جعل المراهقين أکثر تحکمًا في إنفعالاتهم وأکثر قدرة على إتخاذ القرار.
وخلصت دراسة کل من (Morderki, 2017), (Silvia, 2016) أن مهارات التعايش تساعد على وحدة المجتمع وأمنه وإستقراره، وتؤدي إلى إحراز المنافع والمصالح للفرد والمجتمع وکذلک تحقيق الإبداع والتقدم الحضاري.
وتؤکد تلک الدراسات ضرورة أن تتناول المناهج الدراسية مفهوم التعايش کمهارات وإستراتيجيات لتنمية وعي الطلاب بتقبل الاختلاف، فالاختلاف هو سر الإبداع في الکون وهو مکمن قوة في الدول والشعوب وليس مکمن ضعف، فالدول التي استطاعت أن تحقق تقدمًا حضاريًا ملموسًا شهدت بين أبنائها أکثر من 300 لغة وديانة مثل الهند ولم تمنعها تلک الاختلافات من التقدم والتطور.
وتتفق أهداف تدريس علم النفس في المرحلة الثانوية مع أهداف التعايش ومبادئه، فأحد أهداف علم النفس ترسيخ مبادئ العدل والمساواة بين الطلاب بما يحقق التوافق النفسي والمجتمعي لهم.
ويتضح مما سبق أهمية إستراتيجيات التعايش ومهارته وکذلک أهمية تقبل الاختلاف لدى طلاب المرحلة الثانوية الدراسين لمادة علم النفس وذلک لإنها من الموضوعات التي يتطلبها العصر الحالي بما يشهده من تغيرات سياسية وحضارية.
وعلى الرغم من تلک الأهمية إلا أن الواقع الحالي يشير إلى افتقار الدراسات التربوية وخاصة في مجال علم النفس. لتلک الموضوعات

الكلمات الرئيسية