برنامج مقترح في قضايا علم الاجتماع الجنائي لتنمية القدرة على تحمل الإحباط و الغموض والوعي بهذه القضايا لدى الطلاب المعلمين شعبة الفلسفة وعلم الاجتماع

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

المستخلص

أصبحت دراسة علم الاجتماع الجنائي ضرورة اجتماعية ملحة نظرًا لانتشار الجرائم في الآونة الأخيرة ولمواجهة التطورات والتغيرات التي تواجه المجتمعات والشعوب وخاصة بعد الثورة العلمية والتکنولوجية الهائلة وما طرحته من انحرافات سلوکية ومشکلات اجتماعية تمثل خطرًا يهدد أمن المجتمع واستقراره ووحدته وتماسکه؛ لذا أصبح من الضروري دراسة أسباب ودوافع ومقومات تلک الانحرافات السلوکية والجرائم الأخلاقية حتي يمکن السيطرة عليها ومعالجتها من ناحية وحتى تتطور وتتقدم المجتمعات وتزدهر في جو يسوده الأمن والاستقرار من ناحية أخري. 
ويعد علم الاجتماع الجنائي من أهم العلوم الإنسانية التي ظهرت في القرن التاسع عشر نتيجة انتشار الجريمة والعديد من السلوکيات المنحرفة, ويعد أحد فروع علم الاجتماع التي تهتم بدراسة السلوک الإنساني المنحرف في سياقه الاجتماعي ويختص بدراسة وتحليل السلوک المنحرف من حيث طبيعته ومظاهره وأسبابه والآثار المترتبة عليه, فهو يدرس الانحراف والجريمة والأبعاد الاجتماعية والاقتصادية لبيئة المجرمين والضحايا.
ويهتم علم الاجتماع الجنائي بدارسة کل أشکال وصور السلوک المنحرف فهو يدرس الانحراف والجريمة لأن السلوک المنحرف يقوم على انتهاک المعايير الاجتماعية المقبولة في المجتمع, والقيم الأخلاقية, والقواعد القانونية التي تنظم السلوک والعلاقات الاجتماعية.(محمد عاطف غيث, 2006, 421) (*) ويهتم أيضًا بدراسة العوامل الداخلية والخارجية المسببة للجريمة والانحراف ويحدد الآثار المترتبة عليها وعلاقتها بالفرد والمجتمع (فراس عباس فاضل, 2012, 26),(Bonger W.A,2015,16)
ويختص علم الاجتماع الجنائي بدراسة الجريمة کظاهرة اجتماعية لها تأثير ضار على الفرد والمجتمع, ويهتم بالبحث في العوامل الاجتماعية والبيئية والنفسية المسببة للجريمة والسلوک المنحرف, ومدى مسئولية المجتمع تجاه هذه القضايا, کما يهتم بدراسة الأساليب التي تعمل على تقليل انتشار الجريمة. (David G.,and Richard S.,2000,6) ,(محمود أبو زيد,2003, 208)
ويهدف علم الاجتماع الجنائي إلى فهم القوانين الاجتماعية والتنبؤ بما يطرأ على البناء الاجتماعي من تطورات وتغيرات من أجل بناء مجتمع أفضل, کما يهدف إلى فهم الأسباب التي تؤدي إلى انتشار الجريمة في المجتمع وتحديد آثار الجريمة على الفرد والمجتمع وکيفية علاجها.لأنه العلم الذي يدرس الأسباب والآثار المترتبة على الجريمة باعتبارها سلوکًا مخالفًا للمعايير الاجتماعية السائدة في المجتمع (محمد أحمد بيومي ،2003 ، 41).
ويهدف أيضاً إلى فهم أسباب السلوک المنحرف بهدف فهم وتحليل تفاعل العوامل المتداخلة التي تدفع الفرد لاقتراف الأفعال المنحرفة من أجل تقليل حدوث السلوک الإجرامي, وعلاج الجاني. ويهدف أيضًا إلى تفسير السلوک المنحرف ومعرفة العوامل والأسباب التي تدفع إليه وذلک بتحليل شخصية المجرم ومعرفة کل الظروف الاجتماعية والاقتصادية والبيئية التي تؤثر على جوانب شخصيته. (طلعت إبراهيم لطفي, 2009, 30),(Frank E.H,2011,1,2)
کما يهدف علم الاجتماع الجنائي إلى الحصول على المعلومات والوقائع الاجتماعية المتعلقة بالجريمة والانحراف ودراستها دراسة علمية وصفية تحليلية من أجل الوصول إلى القواعد والقوانين التي تخضع لها هذه الظواهر في نشأتها وتطورها ووضعها الحالى, والتنبؤ بما سيحدث في المستقبل.(جمال معتوق ,2016, 47),(Stephen H. and Peter E,2017,20) 
وأکد کل من(Charles Jarmon, 2003),(Theodore. C, W,2004) على أهمية تدريس القضايا والمشکلات الاجتماعية في علم الاجتماع باعتبارها من أهم الموضوعات التي يرکز عليها علم الاجتماع الجنائي في الجامعة باعتبارها قضايا تهم الطلاب مثل الجريمة والانحراف والجنوح والتفرقة العنصرية والتفاوت الطبقي لأن تدريسها يساعد الطلاب على فهمها والحد من انتشارها في المجتمع .
في ضوء ما سبق نجد أن دراسة علم الاجتماع الجنائي تساعد الطالب في الکشف عن أسباب الجريمة والانحراف وکيفية مکافحتها, وفهم مواقف الآخرين وسلوکهم, وتجعله يهتم بالبحث في الأسباب والآثار المترتبة على الفرد والمجتمع بسبب انتشار الجريمة والانحراف, ومن أهم القضايا التي يدرسها علم الاجتماع الجنائي الرشوة والإدمان والعنف والسرقة والقتل والتحرش وغيرها من القضايا التي انتشرت بشکل ملحوظ في الآونة الأخيرة.
کما تتضح أهمية دراسة قضايا علم الاجتماع الجنائي لما له من أهمية بالغة في زيادة وعي الطلاب المعلمين بالقضايا والمشکلات الاجتماعية والحياتية التي تؤرق المجتمع المصري؛ وهذا يساعدهم على التصرف الصائب في المواقف المختلفة ويزيد من قدرتهم على تحمل الإحباط والغموض الذي أصبح صفة من صفات العصر الحديث؛ لأن وعي الفرد بطبيعة وحقيقة مجريات الأحداث يساعده على توقع الأمور.
کما أن الأفراد مختلفون في قدرتهم على تحمل الإحباط فنجد البعض لديه مستوىٍ عالٍ من التحمل والصبر والحفاظ على التوازن النفسي والانفعالي لفترة طويلة ويستطيع تأجيل تحقيق أهدافه وإشباع رغباته , والبعض الآخر لديه مستوى محدود من القدرة على تحمل الإحباط حيث قد ينهار أو يأتي بسلوکيات غير مقبولة، وبين هذين المستوىين درجات متعددة ومتنوعة من القدرة على تحمل الإحباط، والمرونة في مواجهة المواقف والمشکلات. (عبد المطلب أمين، 2003، 98).
فالقدرة على تحمل الإحباط تتمثل في قدرة الفرد على تحمل التوتر والقلق، والقدرة على الحفاظ على الاتزان النفسي، ورباطة الجأش في مواجهة المواقف الصعبة والضاغطة، والقدرة على تأجيل إشباع الحاجات. (جابر عبد الحميد وعلاء الدين کفافي، 1990، 1345). وتتضمن مقدرة الفرد على قبول الواقع، وتقبل حقيقة المواقف المحبطة مع عدم الاستسلام لها، والتعايش مع المواقف والظروف التى تبدو سيئة أو غير سارة. Wayne Froggatt, 1997, 2)).
کما أن تنمية  قدرة الفرد على تحمل الغموض ضرورة من ضروريات العصر لأنها تجعل الفرد يميل إلى إدراک المواقف الصعبة أو المفاجئة على أنها مرغوبة وتنمي لديه القدرة على مواجهة المشکلات والمواقف المعقدة وتجعله أکثر مرونة , وتقلل من شعوره بقلق المستقبل .(Dana. H,2005) (Thomas, J,1998) کما أنها تجعله ينظر للتطورات والتغيرات التي تحدث على أنها تحدٍّ وليست تهديدًا وتجعله أکثر تحملًا  للصعوبات التي تواجهه.( Michelle, M,1999)
فالقدرة على تحمل الغموض لها العديد من الآثار الإيجابية على توافق الفرد وإنجازه وصحته، حيث ترتبط بمستوى قدرته على تقبل ما يحيط به من متناقضات، وما يتعرض له من غموض؛ فالفرد الذي لديه درجة عالية من تحمل الغموض يکون أکثر کفاءة، ويحقق قدرًا من القبول الاجتماعي والمرغوبية الاجتماعية, ويکون أکثر تحملًا للفشل والإحباط، ولديه القدرة على حل المشکلات التي تواجهه في الحياة الاجتماعية.(سيد عبد العظيم,2000),(عزة محمد صديق ,2003)
وتعتبر القدرة على تحمل الغموض أحد المتغيرات الإيجابية في شخصية الفرد، والتي قد تنخفض بسبب المشکلات الاجتماعية والمواقف الغامضة التي کثيرًا ما يتعرض لها الفرد وتزيد من قدرته على مواجهة هذه المشکلات وتلک المواقف. فيبدو الأشخاص الأقل قدرة على تحمل الغموض أکثر سلبية في الاستجابة للمشکلات والضغوط التي يمرون بها، ولا يستطيعون مواجهة الواقع مما يدفعهم إلى الانسحاب من المواقف الغامضة وبالتالى عدم المشارکة الفعالة في مواجهة وحل مشکلات المجتمع نتيجة عدم الوعي الکافي بتلک القضايا وهذه المشکلات.
کما أن الهدف الأساسى للتعليم عموما هو التأکيد على أهمية إمداد الطلاب بالمعرفة والوعي اللازمين لإدراک قضايا المجتمع ومعرفة التراث الحضاري للأمة، وإدراک جوهر الحياة الاجتماعية وقيمتها لتحقيق التفاعل الاجتماعي البنَّاء مع الظروف والعوامل الاجتماعية المحيطة بالفرد؛ لذا يُعد تنمية الوعي بقضايا المجتمع ومشکلاته من الأهداف التربوية الأساسية التى يسعى أية نظام تعليمى إلى تحقيقها لدى أفراد المجتمع ، فإن إدراک هذا الوعي وتحديد اتجاهه يعد من الأمور الحيوية واللازمة لتحقيق التماسک الاجتماعى .
کما يُعد تنمية الوعي بقضايا علم الاجتماع الجنائي من أهم الأهداف التربوية الأساسية لإعداد معلم الفلسفة وعلم الاجتماع, ويعد الخطوة الأولى من خطوات إعداده, وضرورة من الضروريات التي يجب الاهتمام بها في عصر الثورة المعرفية والتقدم العلمي الهائل في شتى مجالات الحياة، والوعي لا يقتصر على معرفة واکتساب المفاهيم والمعلومات المتعلقة بهذه القضايا بل يتجاوز المعرفة إلى تکوين النزعة الصادقة والسلوک الصحيح تجاه هذه القضايا.
کما أن قضايا علم الاجتماع الجنائي مثل الانحراف والإدمان والجريمة موجودة ضمن موضوعات علم الاجتماع في المرحلة الثانوية ؛ لذا کان من الأفضل أن يتم تدريس هذه القضايا ضمن مقررات برنامج إعداد معلم الفلسفة وعلم الاجتماع , ولکنها لم تجد الاهتمام الکافي بتدريسها حيث إنها لم تکن ضمن مقررات برنامج إعداد معلم الفلسفة وعلم الاجتماع لا بشکل مقرر أساسي ولا حتى ضمن المقررات الاختيارية رغم أن هذه القضايا تعد من الأهداف الأساسية لإعداد معلم الفلسفة والاجتماع.
 کما أنه مع صعوبة ظروف الحياة وتعقدها وزيادة انتشار العديد من السلوکيات المنحرفة التي تخرج عن إطار المعايير الاجتماعية التي يرتضيها المجتمع وتزايد انتشار الجرائم في الآونة الأخيرة التي أدت إلى زيادة معدلات الإحباط والقلق وانتشار اللامبالاة،  مما يؤکد أن تنمية القدرة على تحمل الإحباط وتنمية القدرة على تحمل الغموض ضرورة تربوية وفرضية عصرية ومطلبًا أساسيًا من متطلبات إعداد المعلم بصفة عامة ومعلم الفلسفة وعلم الاجتماع بصفة خاصة.

الكلمات الرئيسية