فاعلية برنامج إثرائي قائم على الشعر في تنمية التحصيل وبعض القيم في مادة التاريخ لدى تلاميذ المرحلة الإعدادية

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

المستخلص

يشهد العصر الحالي تغيرا کبيرا غير مسبوق على مر العصور ويشمل هذا التغير کل أوجه الحياة ومرجع ذلک التغيير أننا نعيش عصر الانفجار المعرفي وثورة المعلومات والثورة التکنولوجية المتميزة بالتغيرات السريعة والتطورات المذهلة التي غزت کل أوجه الحياة. کما أننا نعيش في عصر العولمة وما ترتب عليها من هيمنة ثقافية وما أفرزته من تغيرات عالمية في کافة الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ولقد أثرت تلک التغيرات على الجوانب الاجتماعية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية وأدت([1]) إلى انتشار العديد من المشکلات الاجتماعية ومنها الانهيار الأخلاقي.
فلابد أن نعترف أن موازين القيم والسلوک والأخلاق في حياتنا قد أصابها خلل کبير فهناک أزمة أخلاقية، يعانى منها مجتمعنا الآن تتمثل في عدم التمييز بين ما هو صواب وما هو خطأ وعدم معرفة ما يتعين على الناس أن يتمسکوا به من مبادئ وقيم حيث أصبحت منظومة القيم التي تمثل أهم وأخطر مقومات المجتمع مهددة في کثير من جوانبها ولعل ما نشهده اليوم من ارتفاع معدل جرائم السرقة والقتل([2]) والاغتيال والتدمير والحرق والتخريب للممتلکات الدولة وترويع الآمنين له دليل واضح على أن هناک خلل في موازين القيم والأخلاق والدين.
ومن هنا أخذت التربية على عاتقها مسئولية إعداد الأبناء في ظل تحديات هذا العصر الکثيرة والمتشابکة والمعقدة. وتعد المناهج وسيلة التربية في إعداد الأبناء وتحقيق أمال المجتمع وتطلعاته في أبنائه حتى يتسنى لهم القيام بأدوارهم المختلفة في جميع المجالات وتعد مناهج التاريخ من بين المناهج التي لها النصيب الأکبر في مواجهة تلک التحديات وذلک لارتباط تلک التحديات سواء السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية بطبيعة مادة التاريخ التي تحتوى على کثير من الحقائق والمفاهيم التعميمات التي کثير منها ما تکون مجردة مما يجعلها ميدانا خصبا لعمليات التفکير کما أنها تدفع الطلاب إلى البحث والتقصي وجمع المعلومات وتصنيفها وإدراک العلاقات بينها فالتاريخ يهتم بدراسة الأحداث والتفاعلات والعلاقات الماضية بين الإنسان وبيئته، بل إنه يعبر عما يمر  به المجتمع  من ظروف وأحداث على مر العصور ولذلک([3]) فالتاريخ هو ذاکرة الأمة التي ترجع اليها للاستفادة من الدروس والتجارب والخبرات التي يحتويها.
فالتاريخ بوصفه مادة دراسية لا يستهدف دراسة التاريخ کعلم ولکن يستهدف تربية النشء وإعدادهم لمواجهة تحديات الحياة وتزويدهم بالمفاهيم والقيم لکى ينتفع بها في حياته الحاضرة ويتزود بها في مسيرته نحو المستقبل کما أن من أهداف تدريس التاريخ مواجهة تحديات القرن الجديد([4]) تتمثل في تنمية الجوانب الروحية والأخلاقية والاهتمام بتنمية الأبعاد الوجدانية بصفة عامة وتنمية القيم بصفة خاصة.
ومن ذلک نستخلص أن للتاريخ دورا کبيرا في غرس القيم الروحية والأخلاقية التي ما أحوجنا لها الآن. فحاجتنا اليها أشد من حاجة المحارب إلى سيف يقتل به ودرع يحميه ويدافع به عن نفسه في الحرب فنحن في حاجة إلى سيف نقتل به الفساد والغش والنفاق والکسل وانعدام الضمير الذى انتشر في مجتمعنا وفى حاجة إلى درع يحمينا مما أفرزته لنا العولمة من هيمنة ثقافية وتکتلات سياسية واقتصادية ولذلک فإن لدراسة التاريخ أهمية في حياتنا وحياة مجتمعنا.
کما أن استخدام الأدب بکافة فنونه في تدريس التاريخ له دور کبير في تنمية الأبعاد الوجدانية.
حيث أکدت دراسة کلِّ من (أمل محمد فرغلي 2008م وهند سيد شعبان 2012م وفايزة کرمي عزيز 2012م وعلاء عبد الله أحمد 2012مPatterson, 2013,) على أهمية استخدام کافة فنون الأدب المتمثلة في القصة والرواية والسير والتراجم والمسرحية في تدريس مادة التاريخ لأن لها دوراً واضحاً في تحسين سلوک التلاميذ نتيجة اکتسابهم العديد من القيم والخبرات من فنون الأدب المختلفة. کما أوصوا بضرورة إعداد وحدات دراسية متکاملة بين التاريخ والأدب وتضمينها بمنهج الدراسات الاجتماعية.
ونستخلص من ذلک أن استخدام الأدب بکافة فنونه الرواية ، القصة التاريخية ، المسرحية والسير والتراجم قد ساهم في تنمية الأبعاد الوجدانية والتحصيل عند استخدامها في تدريس التاريخ.
ومن هنا نجد أن هناک علاقة وثيقة بين التاريخ والأدب وبين التاريخ والشعر الذى هو فن من فنون الأدب فالشعر هو فن العربية الأول وأکثر فنون القول هيمنة على التاريخ الأدبي عند العرب خصوصاً في عصورهما الأولى ؛ لسهولة حفظه وتداوله لذلک يعد الشعر وثيقة يمکن الاعتماد عليها في التعرف على أحوال العرب وبيئاتهم وثقافتهم وتاريخهم فالشعر ديوان العرب وهذا يعنى أن الشعر العربى قد ظل بمضامينه ([5]) الحية صورة للواقع التاريخي في أبعاده الاجتماعية والنفسية والثقافية والحضارية للأمة العربية الإسلامية إذا کانت ألفاظه ومعانيه وقضاياه مجالاً للاستشهاد فقد وجد فيه المؤرخ مادة ورکيزة من رکائز الاعتماد وصوتاً من أصوات الحقيقة.
وإن من أهم الاتجاهات العالمية في مناهج التاريخ وطرق تدريسه تمثلت في ضرورة توظيف الأدب في تدريس القيم وفى الاتجاه نحو توظيف الأغاني والأناشيد ([6]) وتدريس التاريخ من خلال الشعر يضيف للتاريخ بعدا إنسانيا ويجعله أکثر فهما وإمتاعا.
وقد أکدت دراسة کلاً من ( غادة عبد الفتاح زايد 2012 م و إيلاريه عاطف 2016م و هشام عاطف أحمد على 2016 م )  على ضرورة مراعاة الجانب الإنساني عند عرض الأحداث التاريخية.
کما أن استخدام الشعر في تدريس التاريخ خاصة إذا کان ذلک الشعر في صورة أغانٍ وأناشيد فإنه يقلل من الرتابة وشعور التلاميذ بالملل کما أن الأغاني وسيلة محببة ومرغوبة لدى التلاميذ وتعمل على إدخال ([7]) البهجة والسرور إلى نفوسهم.
ونجد أن استخدام الشعر في تدريس التاريخ وإثراء محتوى منهج التاريخ بقصائد شعرية ذات صلة بالأحداث التاريخية ومناسبة لتلاميذ المرحلة الإعدادية له من المداخل والأساليب الحديثة التي تثير دافعية التلاميذ لدراسة مادة التاريخ وتراعى ميولهم وتکشف عما لديهم من طاقات أدبية.
کما أکدت دراسة کلِّ من (نور سعود محمد 2010م وعلى کمال على معبد 2012م وعباس راغب علام 2012م وسالي الهادئ محمد 2014م ونسرين يعقوب محمد 2014م) على ضرورة استخدام طرائق تدريسية جديدة ومتنوعة في تدريس التاريخ وذلک لإثارة حماسة ودافعية التلاميذ نحو دراسة مادة التاريخ ومراعاة ميولهم وعلى ضرورة الاهتمام بتنمية الجوانب الوجدانية بصفة عامة وتنمية القيم بصفة خاصة.
ونستخلص من ذلک أن إثراء محتوى منهج التاريخ بقصائد شعرية ذات صلة بالأحداث التاريخية ومناسبة لتلاميذ المرحلة الإعدادية سيسهم في إثارة دافعية التلاميذ لدى دراسة مادة التاريخ ويراعى ميولهم واحتياجاتهم وسيسهم أيضا في تنمية التحصيل والجوانب الوجدانية. فالشعر هو فن من فنون الأدب والفن الشعرى منه المسرحي والغنائي والملحمي وجميع ألوان الشعر تجعل القارئ يشعر بالمتعة وتزيل عنه السأم والملل کما أنه يرسخ القيم الاجتماعية ويکون الميول ويهذب الاتجاهات ويدفع إلى التمسک بالمثل العليا ([8]) فالنص الشعرى الجيد بما يقدمه من لغة راقية وموضوعات مهمة يساهم في إکساب التلاميذ القدرة على إصدار الأحکام السليمة بالإضافة إلى التأثير الوجداني والقيمي الذى تترکه هذه النصوص في نفوس التلاميذ من خلال الأفکار البناءة والمثل العليا التي تهذب نفوسهم.



([1]) رانيا محمد إکرام: فاعلية استخدام الوثائق التاريخية على تنمية مهارات التفکير الناقد لدى طلاب المرحلة الثانوية، رسالة ماجستير غير منشورة، کلية التربية، جامعة عين شمس، 2010م، ص302.


([2]) حسن شحاتة: أدب الطفل العربي دراسات وبحوث (القاهرة، الدار المصرية اللبنانية، ط3، 2004م، ص160.


([3]) أماني مصطفى السيد حميدة: تطوير المقررات المهنية لطلاب شعبة التاريخ في کلية التربية في ضوء المعايير العالمية وتأثيرها في تنمية الأداء التدريسي، رسالة دکتوراه، غير منشورة کلية التربية، جامعة عين شمس، 2013م، ص8.


([4]) على أحمد الجمل: تدريس التاريخ في القرن الحادي والعشرين (القاهرة، عالم الکتب،ط1، 2005م( ص151.


([5]) علاء عبد الله أحمد مرواد: فاعلية تصور مقترح لاستخدام الشعر کمنظم متقدم في تدريس التاريخ لتنمية مهارات التخيل البنائي للأحداث التاريخية لدى تلاميذ المرحلة الإعدادية، دراسات عربية في التربية وعلم النفس العدد الثالث والثمانون، القاهرة، مارس 2017م، ص 185، 186.


([6]) ناصر على محمد أحمد برقي: المشکلات المستقبلية وتدريس التاريخ (القاهرة، مکتبة الأنجلو المصرية، ط1، 2008م) ص148.


([7]) رائدة خليل سالم: تطوير المناهج التربوية (القاهرة، دار أجندين، ط1، 2007م) ص158.


([8]) وفاء أحمد العيسى: فاعلية برنامج تدريسي معد وفق الطريقة التوظيفية في تدريس الأدب والنصوص، رسالة دکتوراه، غير منشورة، کلية التربية، جامعة دمشق، 2008م، ص81.

الكلمات الرئيسية