برنامج قائم على المستحدثات التکنولوجية لتنمية مهارات التفکيرالتأملي في مادة التاريخ والميل نحوها لدى طلاب المرحلة الثانوية

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

المستخلص

يتعرض مجتمعنا اليوم للکثير من التغيرات السريعة المتلاحقة لذلک لم يعد الهدف الرئيس من التربية فى الآونة الأخيرة هو نقل تراث وتعاليم الأجداد والأسلاف إلى عقول الأجيال القادمة فقط، ولکنه أصبح کيفية إيجاد جيل قادر على التفکير وأنتاج المعلومات، لذلک تبنى الکثير من علماء التربية الفکر القائل بضرورة جعل المواد الدراسية مجالاً لتحقيق هذه الأهداف وذلک لإيجاد جيل قادر على معايشة العصر الحالى والذى يتطلب اتقان الفرد لعدد هائل من المهارات.
کما تسهم مادة التاريخ بدور بارز فى تشکيل فکر الفرد وتوجيهاته، وذلک نظراً لطبيعتها ويأتى هذا الدور نتيجة ارتباطها الوثيق بالمجتمع والتغيرات الحادثة فيه فى الماضى والحاضروالمستقبل، فالتاريخ لم يعد فرع من فروع المعرفة يقتصرعلى مجرد سرد للأحداث والوقائع التاريخية وتحصيلها، ولکنه نوع من أنواع المعرفة يفيد الناس فى حياتهم ويرتقى بأخلاقهم وقيمهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعلمية، ويعينهم على فهم کثير من القضايا المعاصرة بما يحمله من جذور لتلک القضايا والمشکلات، مما يساعدهم على فهم الحاضروالتنبؤ بالمستقبل، وبناء عقولهم من خلال تنمية عديد من مهارات التفکير (يحيى عطية وعلى الجمل، 2004، 1-11).
ولذلک فإن دراسة التاريخ بالنسبة للطالب فى المرحلة الثانوية، مادة هامة حيث أنها تفتح له آفاق رحبة من المعارف والأفکار ليصبح أکثروعياً بتاريخ بلاده، وبتاريخ دول العالم، وتنمى لديه مهارات مختلفة، وتغرس بداخله جوانب وجدانية هامة فى تنمية الاتجاهات والقيم الواجب غرسها عن طريق دراسة التاريخ.
ويعد تعلم التفکير ومهاراته المتعددة ضرورة يفرضها العصر الراهن، وأصبح تعليم مهارات التفکير استجابة لمتطلبات مواجهة تحديات العولمة وتجلياتها فى مختلف جوانب حياة المجتمعات، وما يشهده العالم من تغيرات متسارعة فى العلم والمعرفة والاختراع وتدفق المعلومات وما توفره وسائل الاتصال من امکانات للفرد والمجتمع، کل ذلک يجعل من امتلاک الفرد لمهارات التفکير المختلفة ضرورة ملحة، مما جعل مهمة تعليم وتنمية مهارات التفکير تأخذ مکان الصدارة فى ملامح فلسفة التربية، ومن أولويات مهام السياسة التعليمية ليس فى المجتمعات المتقدمة فحسب، بل وفى المجتمعات النامية أيضاً.
 
ومن هنا تظهر أهمية التفکير فى مجتمعنا، وتظهر أيضاً أهمية وضرورة تحسين مهارات التفکير لدى الطلاب من خلال تدريبهم عليها، حيث أصبحت عملية اتخاذ القرار وحل المشکلات التى يواجهها مجتمعنا العربى تشکل صعوبة بالغة، وأصبح معظم الأفراد غير قادرين على اتخاذ القرار السليم فى الوقت المناسب، ولذلک نعمل على تنمية التفکير لدى هؤلاء الطلاب، ولن يتم ذلک إلا عن طريق استخدام طرق تدريس تهتم بتلک العمليات وتکون فيها الأهداف والأنشطة المتضمنة وأسئلة التقويم معظمها مرتبطة بهدف تنمية مهارات التفکير.
وبذلک تتضح أهمية تعلم مهارات التفکير بالنسبة للطلاب فى أنها تسهم فى تشجيع أساليب البحث والاستقصاء والتدريب على حل المشکلات والإکثار من استخدام الأسئلة المفتوحة التى تعين الطالب على ممارسة التفکير وتوفير أکبر قدر ممکن من المعارف والمعلومات التى تتصل بالقضية قيد الدراسة، وتدريب الطلاب على التأنى فى إصدار الأحکام، وتوفير أکبر قدر ممکن من البدائل التى يستطيع الطالب التعامل معها فى سعيه للوصول إلى الإجابات أو الحلول المناسبة والإکثار من عمليات العصف الذهنى، وتکليف الطلاب بالکشف عن علاقات جديدة بين الأشياء المختلفة.
کما أن القدرة على التفکير من الأهداف التى يسهم التاريخ بشکل مباشر فى تحقيقها من خلال تحديد المشکلات وقضايا البحث، وطرح عديد من الأسئلة المهمة، والبحث عن معلومات مختلفة، والإدلاء بالآراء والأفکار بطريقة فعالة.
فالتاريخ يحتل مکانة هامة بين فروع الدراسات الاجتماعية فى تنمية مهارات التفکير، وتعتبر مهارتى التحليل والترکيب من المهارات الضرورية لتفسير التاريخ وتوضيحه، کما تتطلب دراسة التاريخ وتدريسه مهارات تفکيرية تتعلق بالتسلسل التاريخى وفهم التاريخ وتحليله وتفسيره، والبحث التاريخى، وتحليل القضايا التاريخية واتخاذ القرارات بشأنها.
وقد أکدت وثيقة مناهج الدراسات الاجتماعية على أهمية تنمية مهارات التفکير واعتباره هدفاً أساسياً من أهداف تدريس الدراسات الاجتماعية بوجه عام، والتاريخ بوجه خاص، ومما لاشک فيه أن مناهج التاريخ يجب أن تکون معدة بالقدر الکافى لتلائم قدرات الطلاب، وتوظيف هذه القدرات فى عمليات التفکير المختلفة مما يجعلهم قادرين على الابتکار، وتزيد من المخاطرة المعرفية لديهم، کما تجعلهم أکثر قدرة على تبنى أفکار أکثر عمقاً ليصبحوا قادرين على التفکير فى المفاهيم والمعلومات أکثر مما کان متوقعاً، وتجعل الطلاب أقل اندفاعاً وتعطى لهم الثقة فى التعبير عن أفکارهم وزيادة استقلاليتهم بشکل واضح، مما يجعل المعلمين فى حاجة إلى تصور لکيفية المواقف التعليمية بحيث تکون صالحة لتعليم التفکير، وإعدادهم للقيام بأدوار نشطة ذکية مفکرة وتنمية قدراتهم على النقد والتقويم الحر لتوالد أکبرعدد من الأفکار تتسم بالمرونة والطلاقة (سعاد الفجال، 2006، 15).
ويعد التفکير التأملى أحد أنماط التفکير، والذى يجعل الفرد يخطط دائماً ويقوم أسلوبه فى العمليات والخطوات التى يتبعها لاتخاذ القرار المناسب، ويعتمد التفکير التأملى على کيفية مواجهة المشکلات وتغير الظواهر والأحداث، والشخص الذى يفکر تفکيراً تأملياً لديه القدرة على إدراک العلاقات، وعمل الملخصات، والاستفادة من المعلومات فى تدعيم وجهة نظره وتحليل المقدمات، ومراجعة البدائل والبحث عنها (فاطمة عبد الوهاب، 2005، 160).
والتفکير التأملى مهم لطلاب المرحلة الثانوية سواء فى حياتهم المدرسية أو الحياتية لأنه يساعد على ربط الخبرات السابقة بالخبرات الجديدة، بما يعطى الطلاب الثقة بالنفس، حيث يصبح الطلاب أکثر اعتماداً على أنفسهم فى إصدار الأحکام والقرارات التى تخصهم، وبذلک يکون تفکيرهم تأملياً مما يساعدهم على النجاح فى أداء المهام، وتنمية الاحساس بالمسئولية.
ويعتبر التفکير التأملى نمط من أنماط التفکير التى تحتاج إلى قدرات عقلية عليا، لما له من أهمية کبيرة فى تنمية قدرة الطلاب ومساعدتهم على حل المشکلات بطرق منطقية بعيداً عن العشوائية، وتوجيه التفکير لأهداف محددة، حيث يتطلب التفکير التأملى تحليل الموقف لعناصره المختلفة، والبحث عن العلاقات الداخلية، ويستخدم الطالب التفکير التأملى فى کثير من المواقف الصفية، حين يشعر بالارتباک ازاء مشکلة يريد حلها، ويستطيع الطالب حل المشکلة بتوجيه تفکيره نحوها واستخدام مهارات التفکير التأملى.
ولذلک فإن تعلم التفکير التأملى يعتبر هدفاً أساسياً يجب أن يکون فى مقدمة أهدافنا التربوية لأى مادة دراسية، فهو وثيق الصلة بجميع المواد الدراسية، وما تشتمل عليه من طرق تدريس ووسائل تعليمية وأنشطة بجانب أساليب التقويم المستخدمة، فمن خلال مهارات التفکير التأملى يمکن للمتعلم تناول المعلومات المتاحة داخل المادة الدراسية بطريقة جديدة تضفى على هذه المعلومات أبعاداً جديدة لم تکن معتادة أو مألوفة، کما أنه يمکن تفسيرها على نحو جديد، وعن طريق تعلم مهارات التفکير التأملى يتمکن المتعلم من دمج حقائق ومعلومات ومفاهيم قديمة تم تعلمها فى مجالات وخبرات جديدة ومستحدثة.
کما تؤکد دراسة (بسام المشهراوى، 2010، 152) على أهمية تطوير المناهج الدراسية وتشجيع الکتاب المدرسى للتفکير التأملى، والخروج على الطريقة التقليدية فى التدريس، والاهتمام بأساليب التدريس الفعالة والمواد الدراسية التى تحفز على التأمل عند الطلاب، وتصميم المناهج بحيث تعطى الوقت الکافى للطالب للتفکير والتأمل، والاهتمام ببرامج إعداد المعلمين قبل وأثناء الخدمة، خاصة فيما يتعلق بتنمية قدراتهم التأملية الذاتية وجعلهم قادرين على اکتشاف القدرات التفکيرية المتميزة عند طلابهم والتعامل معها بصورة صحيحة.
وبناء على ذلک، نجد أن تنمية مهارات التفکير التأملى تعد عاملاً أساسياً عند تدريس التاريخ، وذلک نظراً لطبيعة هذه المادة، والتى تتناول العلاقة القائمة بين الإنسان وبيئته الطبيعية والاجتماعية، وهذه العلاقة بطبيعتها متسعة ومتشعبة ولايمکن إدراکها والإلمام بها إلا من خلال استخدام التفکير العلمى والقائم على أساس الاستدلال بأنواعه المختلفة، والتى تمکن الدارس من التفسير العلمى للقضايا الجدلية التى يزخر بها التاريخ، مما يساعد الدارس على فهم البيئة التى يعيش فيها.
فالفهم الجيد للتاريخ يتطلب مشارکة الطلاب فى التفکير التأملى فى الموضوعات التاريخية بإثارة الأسئلة، وتقديم الأدلة لدعم إجاباتهم وتجاوز الحقائق التى تتضمنها کتبهم المقررة، وفحص السجلات التاريخية بأنفسهم من خلال التأمل والتخيل أخذين فى الحسبان السياق التاريخى الذى وجدت فيه هذه السجلات، ومقارنة وجهات النظر المتعددة فى إطارها الزمنى.
وقد أوصت دراسة (جيهان العماوى، 2009) بأهمية الترکيز على وضع مناهج وأساليب تدريس حديثة ومبتکرة تعمل على تنمية التفکير التأملى لدى الطلاب، لأن المناهج الدراسية تعتمد على التلقين والحفظ وأن أنماط التفکير ضعيفة فى مدارسنا، بالإضافة إلى أهمية التنويع فى استخدام طرق تدريس مختلفة والتى تؤدى بدورها إلى تنمية جميع أنماط التفکير.
وقد قدمت التکنولوجيا الحديثة کثير من الوسائل والأدوات التى کان لها دور مهم وبارز فى تطوير التعليم، وأسهمت فى تحسين عملية التعليم، وذلک من خلال استثارة الدافعية لدى الطلاب نحو التعلم وتشجيعهم، ونتيجة للثورة التقنية أنتج الحاسوب الذى کان بحق النقلة النوعية مقارنة بما سبقه من ابتکارات استخدمت فى التعليم والتعلم.
وقد أثبت استخدام الحاسوب فى التعليم قدرته على تعليم الطلاب، وأضفى حيوية وبعداً تقنياً جديداً على العملية التعليمية التعلمية، ليبعدها عن الطريقة العادية، حيث يساعد الطلاب والمعلمين على تحقيق أهدافهم، وکذلک يکسبهم المهارات التعليمية وينقل لهم الخبرات (وجدى شکرى، 2009، 17).
کما أن الحاسوب يعتبر أداة فعالة مثمرة للتعليم عندما يکون موجهاً توجيهاً سليماً نحو تحقيق أهداف تربوية تسهم فى تعديل السلوک أو تعزيز آخر، وفى تنمية الجوانب العقلية والنفسية والاجتماعية لدى الطالب، والتى تساعده على مواکبة التطور والتکيف مع من حوله، کما أن الحاسوب يعتبر مجالاً خصباً لاستثارة التفکير، حيث يستثير العمليات العقلية لدى الطالب فتجعله يبحث ويستکشف ويستقصى حتى يصل إلى ما يريد الوصول إليه، والذى يسهم بدوره فى النمو العقلى لديه (وجدى شکرى، 2009، 13).
وقد أکدت دراسة (Anne,2003) على الأهمية المتزايدة لاستخدام التکنولوجيا فى الغرف الصفية وبخاصة من قبل المعلمين الجدد.
والمستحدثات التکنولوجية نوع من التجديد التربوى الذى يهدف إلى تحسين العملية التعليمية ورفع کفاءتها، حيث تعد المستحدثات التکنولوجية فکراً متطوراً ومنتجاً متقدماً، وهى توظيف للأفکار والمخترعات فى خدمة مجالات الحياة المختلفة ومنها مجال التعليم، فالمستحدثات التکنولوجية فى مجال التعليم تشمل کل ماهو جديد ومستحدث من وسائل وأجهزة وأدوات يمکن توظيفها فى العملية التعليمية.
من هنا تظهر أبرز أدوار المستحدثات التکنولوجية فى أنها يمکن أن تسهم فى ايجاد حلول مبتکرة لمشکلات التعليم، مع جعل نظم التعليم تستجيب بصورة مرنة لطموحات المجتمع وآماله، فيمکن من خلالها إتاحة الفرص التعليمية للأفراد أينما وجدوا، کما أن للمستحدثات التکنولوجية دوراً مهماً فى جعل الخبرات التعليمية أکثر واقعية وقبولاً للتطبيق، کما أنها تسهم فى تحسين التعليم بکافة مراحله (محمد عبدالهادى بدوى، 2008، 2).
ولقد تأثرت المناهج الدراسية أيضاً بظهور المستحدثات التکنولوجية وشمل هذا التأثير أهداف هذه المناهج ومحتواها وأنشطتها وطرق عرضها وتقديمها وأساليب تقويمها، ولقد أصبح إکساب الطلاب مهارات التعلم الذاتى وغرس حب المعرفة وتحصيلها فى عصر الانفجار المعرفى من الأهداف الرئيسة للمنهج الدراسى، وتمرکزت الممارسات التعليمية حول فردية المواقف التعليمية وزادت درجة الحرية المعطاة للطلاب فى مواقف التعلم مع زيادة الخيارات والبدائل التعليمية المتاحة أمامهم (اسماعيل محمد حسن، 2009، 10).
وقد أکدت دراسة (Ham,2001,2-70) على أهمية دمج التکنولوجيا داخل المقررات الدراسية.
    ونظرا" للنقد الذى وجه لمادة التاريخ باعتبارها مادة جافة ترکز على تدريس أحداث ماضية بعيدة عن الخبرة المحسوسة للمتعلمين، وترکز على الأداء اللفظى أثناء التدريس، مما يؤدى إلى صعوبات عديدة أثناء التدريس من ناحية، ولا يساعد على تحقيق أهداف عدة على رأسها تنمية مهارات التفکير التأملى من ناحية أخرى، الأمر الذى يستلزم ضرورة استخدام وسائل ومداخل تدريسية تعتمد على أنشطة محببة للمتعلمين، وتثير دافعيتهم للتعلم، وتجعل بذلک أثر لما يتعلمون فى شخصياتهم.
من هنا تظهر أهمية استخدام المستحدثات التکنولوجية فى تدريس مادة التاريخ، حيث أنها تسهم فى بناء المفاهيم التاريخية السليمة وإيضاح المعانى، فتزداد القدرة على الفهم واکتساب المهارات وتنمية التفکير، کما تعمل على استثارة دافعية الطلاب للتعلم وتسهم فى استدعاء الخبرات السابقة، کما أن استخدام مستحدثات تکنولوجية فعالة فى قيمتها تجعل المجردات محسوسة ملموسة، وتستبدل بالشروح النظرية الخبرات العملية الحسية، وبالاستعانة بهذه المستحدثات التکنولوجية يفهم الطلاب الأمور بوضوح وبإيجاز أکبر، کما يتمکن الطلاب من التذکر على نحو أسهل وحينما يشعرون بالرغبة فى تطبيق ماتعلموه يفعلون ذلک بثقة أقوى.
کما أن هذه المستحدثات التکنولوجية تعمل على إثارة الميول والدوافع عند الطلاب، حيث تهدف مادة التاريخ کمادة دراسية إلى اکساب الطلاب اتجاهات وميول مرغوب فيها، لأن الميول عموماً توجه سلوک الطلاب وجهة معينة ترتبط بما يؤمن به الطالب أو يعتقده، فمنهج التاريخ إذا ما أحسن تدريسه يمکن أن يکسب الطلاب اتجاهات وميول مرغوب فيها.

الكلمات الرئيسية