فاعلية مدخل التمهين الإدراكي في تدريس التاريخ على تنمية مهارات التفكير المستقبلي والوعي بأبعاد التغير العالمي والذاتية الثقافية لدى طلاب المرحلة الثانوية

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

المركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي

10.21608/pjas.2025.426023

المستخلص

يواجه العالم العربي العديد من التحديات التي خرجت من كونها تحديات إقليمية إلى كونها تحديات عالمية، ومن هنا أصبحنا مطالبين الان وأكثر من أي وقت مضي بتحديد أليات تمكننا ليس فقط من مواجهة هذه التحديات والتصدي لها، بل ومن تحقيق النجاح في توضيح ونشر رؤيتنا وثقافتنا العربية والإسلامية والحفاظ على أمننا القومي والعربي والإقليمي.
ومن هذه الآليات التي يجب أن يتسلح بها إنسان اليوم "التعليم" والذي من خلاله يكتسب المتعلم المهارات والاتجاهات والأخلاقيات والقيم والوعي، والقدرة على التعامل مع الأخرين والعيش معهم في سلام، وتنمية قدرته على تحليل المخاطر وتحديات المستقبل، وعلى تقبل المتغيرات العالمية ومواجهتها والسيطرة عليها وتوجيهها لما يحقق مصلحة الوطن.
ويأتي هنا دور المناهج الدراسية باعتبارها السبيل لتحقيق أهداف المجتمع، وهي الأداة التي تعتمد الحضارة المعاصرة بدرجة كبيرة عليها في تنمية بعض القدرات الذهنية والعقلية والاجتماعية، وتثبيت بعض الممارسات السلوكية عند المتعلمين كي يتفاعلوا ويتعاشوا مع المتغيرات العالمية المتجددة. (حسن شحاته :2001، 36، ص 42)
ومن هنا كانت الدعوة لتطوير وتحديث المناهج، ومنها منهج التاريخ للمرحلة الثانوية، ومن أهم الأهداف المرجو تحقيقها من هذا التطوير تعليم الطلاب كيف يفكرون لتنمية إمكانيات التعامل مع المشاكل والتحديات، وقد أصبحت تنمية التفكير هدفاً اساسياً يحتل مركز الصدارة في أهدافنا التربوية لأى ماده دراسية وهذا ينطبق على مادة الدراسات الاجتماعية عامة والتاريخ خاصة التي تعتبر من المواد الدراسية التي تعتمد على استخدام المصادر التاريخية المتنوعة وتحليل ما تتضمنه من أحداث تاريخية، ولذا فإنها تساعد على تنمية قدرة دارسي التاريخ على الفحص الموضوعي للأحداث والقضايا التاريخية المحلية والإقليمية والعالمية، والتفكير فيها والبحث عن الحلول المناسبة لها وتحليلها واستنتاج رؤيه تعبر عن المستقبل بكافة الياته ومشاكله وتطورات أحداثه، وذلك من خلال ما تنمية مادة التاريخ لدى دارسيها من القدرة على  ادراك المشكلات وصياغة فرضيات جديده، والتوصل الى ارتباطات جديده من خلال المعلومات المتاحة، وتعديل الفرضيات وإعادة صياغتها، ورسم البدائل المقترحة مع تقديم النتائج وإصدار الأحكام العامة، والخروج باستنتاجات ومبادئ عامه تفيده في الحياه، وتتطلب هذه العملية التساؤل، والبحث عن الغموض والملامح غير الواضحة، والتقصي والخيال لتجسيد التفكير في صوره ذهنيه او رسوم او افكار. (امام مختار حميده: 2000، 41، ص 43)
وتؤكد الاتجاهات التربوية الحديثة أهمية ان يكون تدريس التاريخ أداه لتزويد الطالب بالأساسيات التي تمكنه من ممارسة اسلوب الاكتشاف والابتكار والفحص والتقييم واقتراح مستقبلات ممكنة او محتملة او مفضلة، ويتم صياغة ذلك في شكل تنبؤات وهذا ما يحتاجه الطالب عند دراسته لمادة التاريخ، ومن هنا كان الاهتمام بتنمية التفكير عامة والتفكير المستقبلي خاصة. (احمد محمد: 2013، 11، ص 59)
والتفكير المستقبلي ليس مجرد حفظ واسترجاع للأحداث التاريخية ولطبيعة الصراعات والأزمات والحروب التي خاضتها مصر عبر العصور التاريخية المتلاحقة، وانما هو اسلوب يمكن الطلاب من فهم وتحليل الأحداث التاريخية المتلاحقة المحلية والعالمية، كما يساعدهم على إعمال عقولهم في هذه الأحداث وتناولها بالتحليل والنقد والتفسير مما يفيدهم في تكوين نظره شاملة لها، ومن ثم ابتكار العديد من الحلول لها وتكوين صوره مستقبليه متنوعه ومحتملة الحدوث ودراسة المتغيرات التي ممكن ان تؤدى الى وقوع او حدوث هذه الصورة المستقبلية.(حافظ، عماد :2019 ، 33، ص 30)
والطالب عند دراسته لماده معينه لا يقتصر ما يكتسبه من هذه المادة على المعلومات والمعارف والمهارات فحسب، ولكنه يكتسب بجانب ذلك –في الوقت نفسه- وعى بالمتغيرات العالمية التي مر بها العالم عبر مراحل التاريخ والتي أثرت على ما يعيشه المتعلم اليوم وبما سيكون غداً.
ولذلك يجب على المعلم تهيئة الجو الانفعالي المناسب لتكوين الوعى بالمتغيرات العالمية وما يميز الذاتية الثقافية لمجتمعه المصري، وان يستخدم من الطرق والأساليب والوسائل ما يجعل من المواقف التعليمية خبرات غنيه تساعد في بناء وتكوين الوعى المطلوب، وخاصة وان هناك ترابط بين التفكير في المستقبل ودراسة المتغيرات الدولية التي رسمت الماضي والحاضر وتأثيرها على المستقبل وتأثير الذاتية الثقافية للمجتمع المصري المعتز والمحتفظ بعاداته وتقاليده وثقافته الفرعونية العربية الدينية في رسم مجريات الاحداث عبر العصور التاريخية المتلاحقة، فالمدخل السليم لتعديل سلوك الطلاب وبناء شخصياتهم هو استخدام المعلم لمداخل تعليميه تعتمد على نشاط المتعلم وامكاناته العقلية واهتماماته ووعيه. (بدران، ودوده: 2010، 30، ص 116)
ومن المداخل الحديثة التي يمكن بها تنمية تفكير الطلاب ووعيهم من خلال مادة التاريخ "مدخل التمهين الإدراكي" الذى يقوم على النظرية الإدراكية المعرفية، ويعرف الإدراك المعرفي بانه العملية العقلية التي تنتج في الوعي الذاتي بتنبيه أحد أعضاء الحس عندما يحدث مثير ما، وهو الذى يزود الذاكرة والتفكير والتصور والاستدلال بالمعطيات الخام، كما ينطر الى الإدراك المعرفي على كونه" مناظير العقل والاستبصار" التي تكون صورة معرفية للأشياء والافكار، ومن أهم الافتراضات التي تعكس ملامحها ان التعليم عمليه نشطة ومستمرة وغرضية التوجه وهذا ما ينادى ويقوم على اساسه "مدخل التمهين الادراكي" حيث يعمل على تفعيل دور المتعلم وإيجابية من خلال تعاونه مع زملائه ومع المعلم في دراسة الواقع وتحليله وتقديم تصور عقلي مستقبلي لشكل المستقبل في ضوء وعيه بالمتغيرات الدولية والعالمية التي أثرت على مجريات الأحداث عبر العصور التاريخية المختلفة وكذلك دراسة العلاقة بين الماضي والحاضر والمستقبل في ضوء الذاتية الثقافية التي تميز بها المجتمع المصري عبر الفترات التاريخية والعصور المتلاحقة.
ويبنى مدخل التمهين الادراكي على افتراضين أساسيين من افتراضات "بياجيه" في النمو المعرفي هما:
1 - الإدراك هو "العملية التي نقوم من خلالها باستقبال وتفسير المعلومات في العالم من حولنا.

الخبرات التي تتضمن تحدياً لتفكير المتعلم بدرجة معقولة تعكس لديه المعتقدات عن العالم الخارجي المحيط به وتعمل تلك الاعتقادات كدوافع تلازم المتعلم باستمرار. (عبد الرحي، محمد: 2015، 48، ص 75)

ويعتمد جزء من فعالية مدخل التمهين الإدراكي على التعلم في السياق ويقوم على نظريات الإدراك الموقفي. ويؤكد علماء الإدراك على أهمية السياق الذي تتم فيه العملية التعليمية (على سبيل المثال، جودين وباديلي: 1975).
واعتمادًا على مثل هذه النتائج، يجادل كولنز ودوجويد وبراون (1989) بأن التمهين الإدراكي يكون أقل فعالية عندما يتم تدريس المهارات والمفاهيم بمنأى عن سياقها وظروفها الواقعية. وكما يقولون "يجب القول بأن المواقف تساهم في إحداث المعرفة من خلال الأنشطة. ومن الممكن أن نقول إن التعلم والإدراك قد تم وضعهما في سياق مواقف واقعية بصورة أساسية"، ففي التمهين الإدراكي، تتم نمذجة النشاط الذي يتم تعلمه في مواقف واقعية، باستخدام عمليات مثل النمذجة والتوجيه، ويدعم التمهين الإدراكي أيضًا المراحل الثلاث لاكتساب المهارات الموصوفة في أدبيات الخبرة وهم "مرحلة الإدراك ومرحلة الترابط ومرحلة الاستقلال. (Collins & Others: 1987,88, p 55)

الكلمات الرئيسية