استخدام التعلم المنظم ذاتياً في تدريس التاريخ لتنمية بعض مهارات التفکير التقويمي والثقافة السياسية لدى الطالبة معلمة التاريخ

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

المستخلص

إن محور التقدم هو العقل البشري المفکر الذي يقدم النظرية القابلة للتطبيق مما ينتج عنه تطور الحياة البشرية، وازدهارها، حيث أن التقدم أصبح يقاس بما تملکه الدول من عقول مفکرة، قادرة على صناعة المعرفة وتسخيرها لمواجهة الثورة العلمية التي يواکبها العالم والتي تعد قوامها المعلومات والتقنيات المستمرة التي يزداد تأثيرها يوماً بعد يوم، مما يتطلب مستوى عالياً من إعمال العقل، واکتساب المهارات التنظيمية حتى يستطيع الفرد مسايرة ما يدور حوله من مجتمع المعارف.
لذلک فالمناهج الدراسية لابد أن تتضمن المهارات العقلية التي تساعد الطلاب في التعامل مع المعلومات وتمکنهم من حل المشکلات واتخاذ القرارات.
ومن هنا فإن أفکار التجديد التربوي تنصب على تناول التفکير باعتباره الحل الأمثل الذي يسهم في حل مشکلات المجتمع ، فالحاجة إذن ماسة لتنمية التفکير وإتاحة الفرص للطالب للتدريب بنفسه على خطوات وعمليات حل المشکلة وتنمية وتطوير مهاراته من خلال الاستقراء والاستنتاج وصناعة القرار والتقييم والتحليل ، وبذلک فالتفکير أساساً للتعلم أياً کان نوعه معرفياً أو مهارياً أو وجدانياً.
والتفکير التقويمي يعرف بأنه قدرة الطلاب على ممارسة مهارات فحص المعطيات والمفاضلة وتصنيف المعطيات،وإصدار الأحکام عند مواجهتهم بمشکلة أو قضية أو ظاهرة ما(جمال حسن السيد إبراهيم،2014، 156)
ومهارات التفکير التقويمي من المهارات التي يجب تنميتها وتضمينها في المقررات الدراسية وتدريب المتعلمين على ممارستها لأنها من متطلبات العصر الذي تتعدد فيه البدائل والاختيارات.
وقد أکدت العديد من نتائج الدراسات والبحوث التربوية السابقة على ضرورة الاهتمام بتنمية مهارات التفکير التقويمي منها دراسة إيمان سمير حمدي أحمد (2010)، تهاني عطية محمود (2010)، سماح عبد الحميد سليمان أحمد (2014)، منال علي محمد الخولي (2013).
وتواجه أمتنا العربية اليوم تحديات على المستوى السياسي، حيث تشهد تغيرات سريعة متلاحقة، وهذا يتطلب العمل على غرس الوعي والممارسة السياسية، وغرس قيم المسئولية الوطنية في نفوس النشء، مما يجعل هناک أهمية لربط المناهج الدراسية بالحياة، والتخطيط لها على أساس حاجات الحاضر ومتطلبات المستقبل.
وعلى المستوى المجتمعي، نجد أن مجتمعنا يواجه کثيراً من التحديات، وخاصة في السنوات الأخيرة، ومن أخطرها مشکلة التطرف والإرهاب، والذي من أسبابه الرئيسية ضعف الانتماء والوعي والممارسة السياسية، والقصور في التنشئة السياسية، بالإضافة إلى تسرب بعض الآراء الهدامة إلى عقول الأبناء، فکل مواطن له دور في صنع واتخاذ القرار السياسي، ولکي يؤدي هذا الدور السياسي، لابد أن يکون على فهم ومعرفة بسياسة بلده، وبالمبادئ التي تقوم عليها، والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، مما يجعل الجانب السياسي يحظى بقدر کبير من الاهتمام في إعداد مواطن هذا العصر. (سليم عبد الرحمن، 2009، 136).
ومن هنا تظهر أهمية الثقافة السياسية حيث أنها مسألة حتمية وضرورة تفرضها ظروفنا المصرية والعربية على کل مواطن، فالثقافة السياسية تمکن الفرد من التعرف على حقوقه وواجباته السياسية لتحميه من التطرف السياسي.
بالنظر إلى مناهج التاريخ نظرة تحليلية، نجد أنها بحکم طبيعتها ووظائفها وبشکل کبير وتلقائي، تسمح بتناول عديد من مکونات الثقافة السياسية، لما لها من وظائف اجتماعية، تتمثل في بناء مواطن مثقف سياسياً وتنمية الوعي والممارسة السياسية لديه، مما يساعده على فهم البيئة السياسية التي يعيشها.
والصلة بين التاريخ وعلم السياسة وثيقة، حيث تعتبر الحوادث التاريخية من أهم الموضوعات التي يدرسها الباحث السياسي. فکثيراً ما کانت الأحداث التاريخية مصدر لوضع النظريات السياسية الحديثة. والنظريات الاجتماعية والسياسية تکون في الغالب صادرة عن الظروف الاجتماعية والسياسية السائدة في المجتمع سواء أکان ذلک بالتأييد أو بالمناهضة ففي کلا الحالتين يکون التأثير واضحاً – بالواقع الاجتماعي والسياسي – على تلک النظريات.
کما يعد المنهج التاريخي من أهم مناهج البحث في السياسة والعلوم السياسية التي تستخدم في مختلف البحوث السياسية المنهج التاريخي ، کما أن العلوم السياسية تأخذ المنهج التاريخي على أساس أن الأحداث السياسية التاريخية هي التي تشکل خبرة الإنسان السياسية في مختلف مجالات علوم السياسة.. فالتاريخ على هذا يعتبر مصدراً من مصادر المعلومات السياسية، حيث تترتب معرفة الحاضر على خبرات ومعرفة ما سبق أن حدث في الماضي. فالرجوع إلى التاريخ يجعل الدارس يقف على تلک الأصول والمنابع التي صدرت عنها مختلف الأنظمة سواء في المجال السياسي أو غيره من مجالات النشاط البشري داخل المجتمع. فعن طريق مثل هذه الدراسات يستطيع الباحث أن يخرج بتعليمات أو قوانين عامة تصبح الأساس في صياغة النظريات السياسية (بطرس غالي ، 1976 ، 24) ، ويعني التاريخ أيضاً بالتعرف على المفاهيم والتيارات والأحداث والشخصيات البارزة عبر التاريخ والاصطلاحات الفکرية والسياسية في الوطن العربي والعالم وما يتصل بها من کتب من علوم إنسانية أخرى وعلى الواقع السياسي العربي والعالمي کما أن التاريخ يتناول موضوعات وقضايا النضال السياسي بل والحضاري في کل العصور السابقة وحتى في العصر الحالي ويتضمن العديد من المصطلحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية مثل اتفاقية (agreement)، أزمة دستورية (Constitutional Crisis)، إستراتيجية (Sterategy)، استفتاء دستوري (Referendum)، أزمة اقتصادية (Economic Crisis)، الاشتراکية (Socialism)، اقتراع (Polling)، حرکات سياسية (Political movements)، ثورة (Revolution) ، الأمانة العامة للجامعة العربية وغيرها.
ويؤکد العديد من التربويين، على أن التاريخ مادة دراسية تشارک في الإعداد للثقافة السياسية وتوجه اهتماماً خاص إلى المهارات الاجتماعية اللازمة، لکي يسهم الأفراد في بناء مجتمعهم المحلي، مثل أن يکونوا أعضاء في أحزاب أو مؤسسات اجتماعية تشارک في المشروعات المحلية، وحضور لقاءات وندوات تحمل مسئولية القيام بالدور السياسي والاجتماعي والاقتصادي المتوقع منهم.(صفاء محمد علي، 2008، 57).
کما يؤکد المجلس الوطني للدراسات الاجتماعية أن امتلاک المعرفة بالوثائق والمصادر الأصلية ذات الصلة بوجود الأمة ومؤسساتها المدنية والسياسية هي من بين خصائص المواطن الصالح الفعال الذي تسعى إلى تحقيقه مناهج التاريخ.  (المجلس الوطني للدراسات الاجتماعية، 2010).
وهو ما يتماشى مع طبيعة مادة التاريخ وأهميتها وأهدافها.
نجد أن الثقافة السياسية تعتبر إحدى عوامل تکوين الوعي والممارسة السياسية لدى الفرد، والمؤشر الرئيسي والأساسي، للوصول إلى المستوى الممارس للوعي السياسي القائم حيث أنها قيم سائدة في المجتمع تتصل بعلاقة الأفراد في المجتمع بالنظام السياسي. (نهى إبراهيم، 2006، 56).
هذا وقد أوصت العديد من الدراسات التي استهدفت تقديم تصورات لبرامج في الوعي والممارسة السياسية لإدراجها ضمن المقررات الدراسية منها دراسة (محمد عبد الحميد، 2011) ، ودراسة (رمضان الزيان،2010) ، ودراسة (سماح إبراهيم السيد، 2009) ، ودراسة (إنجي صلاح الدين ابراهيم،2016) ، دراسة (Kennedy, Kerry,2000)
ولما کان الأمر کذلک فإن مؤسسات التعليم بعامة، ومؤسسات التعليم العالي بخاصة – باعتبارها مؤسسات تربوية اجتماعية تختص بإعداد الکفاءات الفنية التي تمارس النشاط في مواقع العمل المختلفة – مطالبة اليوم بالسعي لجعل هؤلاء الشباب مواطنين مکتملي المواطنة وذلک من خلال تثقيفهم بمشکلات المجتمع واحتياجاته عن طريق الحرص على إدخال البرامج السياسية ضمن المقررات الدراسية لتدريب الطلاب على ممارسة الشئون العامة في الحياة والمشارکة السياسية وتحمل المسئولية، فضلاً عن ذلک فإن هناک اهتماماً معاصراً لدراسة أوضاع طلاب الجامعة وأوجه رعايتهم، ويرجع ذلک إلى ما يمتلکه شباب الجامعة من قوة باعتبارهم من أهم عناصر الإنتاج المتاحة في المجتمعات المتقدمة والنامية على السواء، وذلک لإعدادهم وتهيئتهم لقيادة المجتمع في المستقبل في کافة مجالات الحياة؛ تأسيساً على ما سبق فإن من أهم الأهداف التي ينبغي أن تتبناها الجامعة لمواجهة تحديات القرن الحالي هي تنمية الثقافة السياسية.
ومن الدراسات التي أوضحت دور التاريخ في تنمية الوعي والممارسة السياسية، دراسة (أميرة محمد عبد الفتاح ، 2014) ، دراسة (محمد حسن العمايرة، عاطف يوسف، 2010)، دراسة (محمد عبد الحميد، 2011).
ويقع على معلم التاريخ دور کبير في تعريف الطلاب حقوقهم وواجباتهم نحو الآخرين، ومسئولياتهم نحو المجتمع الذي يعيشون فيه حيث يقوم بتوجيه سلوک الطلاب توجيهاً سليماً بعيداً عن التيارات والثقافات الوافدة التي تؤدي إلى الانحراف، کما أن احتکاک المعلم بتلاميذه يساعد على توضيح الکثير من المفاهيم السياسية الغامضة کما يغرس المعلم القيم والاتجاهات المرغوبة لتقوية الانتماء وتوصيل المعرفة السياسية، کما يشکل السلوک الديمقراطي، کما يؤکد المعلم دائماً على الالتزام بالقواعد والقوانين المدرسية والمجتمعية.
وتسعى التربية إلى تعديل سلوک الفرد وإکساب الطلاب القدرة على التعلم الذاتي فلم يعد من أهدافها نقل المعارف والمعلومات للطلاب للحفظ ولکن لابد أن يفهموا المعلومات وأن يعالجوها ويستخدمونها في مواقف أخرى جديدة لم يسبق لهم تعلمها.
ومن هنا يجب الاعتماد على طرق ونماذج وإستراتيجيات تساعد الطلاب على التعلم والتفکير والتقييم الذاتي وتعطيهم قدر کاف من المرونة والحرية في اختيار طرق تعلمهم ووسائلها وموادها التعليمية وتعد إستراتيجيات التعلم المنظم ذاتياً من الإستراتيجيات التي تساعد على تحقيق الهدف الحقيقي من تدريس التاريخ.
والتعلم الذاتي هو العملية التي يکون فيها الأفراد مشارکين إيجابيين من الناحية السلوکية والدافعية والمعرفية وما وراء المعرفة في تعلمهم. (Zemmerman, B, 2001, 329)
وقد أکدت العديد من توصيات الدراسات والبحوث التربوية على أهمية استخدام إستراتيجية التعلم المنظم ذاتياً في التدريس مثل دراسة (جيهان محمد، 2011)، دراسة (سليم محمد، 2011)، دراسة (مکة البنا، 2013)، دراسة نوتا (Nota, et al., 2004)، دراسة شانج (Chang, 2011) ، دراسة بيل (Bell, Akroyd, 2006).
کما أشارت العديد من الدراسات والبحوث على ضعف الثقافة السياسية لدى الطالب المعلم منها ، دراسة (إنجي صلاح الدين إبراهيم 2016) ، ودراسة (انشراح ابراهيم المشرفي2012 )
کذلک أشارت مجموعة من الدراسات على ضعف مهارات التفکير التقويمي لدى الطلاب مثل دراسة (جمال حسن السيد إبراهيم ، 2014)، دراسة (Beyer,B.K,2001).
ومن خلال نتائج هذه البحوث والدراسات التي تم الاطلاع عليها وللتأکد من مشکلة البحث قامت الباحثة بتطبيق أولاً: استبيان على عينة عشوائية من الطالبات المعلمات شعبة التاريخ بکلية البنات جامعة عين شمس الفرقة الرابعة بهدف التعرف على مدى ثقافتهم ووعيهم وممارستهم السياسية تجاه القضايا السياسية المعاصرة وطبقت على عينة بلغ قوامها (30) طالبة وقد تضمن الاستبيان مجموعة من الأسئلة المتنوعة منها على سبيل المثال أذکر أعضاء مجلس الشعب والشورى ومعرفة بعض اختصاصاتهم، وکيفية استخراج بطاقة انتخابية، کيفية المشارکة في الانتخابات وقد أشارت النتائج إلى ضعف الثقافة السياسية لدى الطالبات معلمات التاريخ ،      ثانياً: قامت الباحثة بإجراء دراسة استطلاعية وذلک بتطبيق اختبار مهارات التفکير التقويمي وهي (مهارة وضع المعايير أو المحکات – مهارة تقييم الأدلة والبراهين – مهارة کشف الأخطاء والمغالطات) وذلک للتأکد من وجود ضعف في هذه المهارات.
تم تطبيق الاختبار على عينة عشوائية من طالبات الفرقة الرابعة تاريخ تربوي بکلية البنات جامعة عين شمس (30) طالبة وذلک في العام الجامعي 2016 – 2017.
وأوضحت الدراسة الاستطلاعية ضعف مهارات التفکير التقويمي لدى الطالبات حيث کانت النسبة التي حصلت عليها الطالبات 24% وهي نسبة ضئيلة جداً مما يشعرنا بالخطر وبضرورة البحث عن إستراتيجيات حديثة في التدريس لتنمية مهارات التفکير التقويمي.

الكلمات الرئيسية