فاعلية المواقف الحياتية فى تدريس علم النفس لتنمية مهارة تقبل الذات والآخرين لدى طلاب المرحلة الثانوية

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

المستخلص

     يتسم العصر الحالى بسرعة التغير فى شتى مجالات الحياة الاجتماعية والمعرفية والتعليمية, والتطورات التقنية الحديثة وانتشار وسائل الإتصال وسهولة الحصول على المعلومات ويعد ذلک أساس للنهضة فى الصناعة والاختراع والإبداع, ما أدى للاهتمام بالتربية فى کافة المواد الدراسية لما لها من دور فى التنمية الاجتماعية والإقتصادية وتحقيق تماسک المجتمع وبناء الدولة العصرية وتحقيق التوافق النفسى والاجتماعى للفرد الذى بحث عنه منذ سنوات عدة مضت.
      والسبيل إلى التقدم ومواکبة العصر ومعايشته والمشارکة فيه تتوقف على نمط التفکير الصحيح لأن العصر المقبل هو عصر التفکير, خاصة أن أحد معايير التقدم والعصرية هو قدرة الشعوب على التفکير. (محمد زيدان: 1994, 16)
     وقد کان هدف التربية قديماً وحديثاً هو إعداد الإنسان المفکر (أحمد اللقانى: 1979, 1), ومساعدته على تکوين تجاه إيجابى نحو ذاته, لما لذلک من دور فى تحقيق التوافق النفسى والاجتماعى, ولما کانت الأساليب التى يتبعها کل من الوالدان والمعلمون فى معاملة الابناء لها دور کبير فى الصورة التى يکونوها عن ذواتهم, کما أشار "عبد الرحمن سليمان" (1999, 89) أن العلاقة بين الأسرة والابناء عندما تکون مترابطة وعاطفية يظهرون شخصية إيجابية متقبلة لذاتها وللآخرين, و"مارزانو وبيکرنج وآخرون" (1998: 12- 15) الذين أشاروا إلى أن الابناء فى بداية دخولهم الصف الدراسى لا يکون اهتمامهم بالمادة الفعلية قدر اهتمامهم بمدى تقبل المعلمون وزملائهم لهم, ويتطلب هذا من المناهج بصفة عامة ومن منهج علم النفس بصفة خاصة ألا يغفل عن التغيير فى أدوار التربية ومنها دورها فى تنمية مفهوم إيجابى للفرد نحو ذاته والآخرين, ومن الجدير بالذکر أن دراسة علم النفس تعد ضرورة تربوية وفريضة عصرية لطالب المرحلة الثانوية فهو بحاجة إلى ثقافة نفسية تعينه على التعامل الناجح مع نفسه والآخرين, فعلم النفس يهتم بفهم سلوک الطلاب لکى يعمل على تعديل وتغيير سلوکياتهم. (محمد زيدان: 2007, 25)          
     ونجد أن من أهداف علم النفس اکتساب الطالب مهارات عقلية وانفعالية وسلوکية تسمح له بالتوافق النفسى والاجتماعى مع ما يواجهه من مشکلات ويساعده على تعديل سلوکه وتقبل ذاته وتکوين علاقات شخصية واجتماعية سوية. (محمد زيدان: 2007, 30)
     والإنسان مهما بلغ من عمر ومهما کان الزمان أو المکان الذى يعيش فيه يسعى إلى أن يکون مقبولاً ومحبوباً ممن حوله وهذا لا يحدث بدون تقبله لذاته, وقد ثبت أن مفهوم الفرد عن ذاته ذو تأثير کبير فى کثير من جوانب سلوکه. (سهير کامل: 1993, 160) فالأشخاص ذو المفهوم الإيجابى عن ذواتهم لديهم القدرة على تکوين علاقات اجتماعية ناجحة, على عکس الأشخاص ذو المفهوم السلبى يعانون من عدم قدرتهم على التوافق النفسى والاجتماعى.  ومن هنا ندرک أهمية تقبل الذات والآخرين, لما له من تأثير فى نمو شخصيته وعلاقته مع الآخرين.
     ويرى "جابر عبد الحميد وعلاء الدين کفافى" (1988, 20) أن التقبل هو صفة تصف اتجاهات الفرد إزاء الآخرين بالإيجابية والتسامح, وهى صفة يعبر بها المعالجون النفسيون والمعلمون عن مشاعرهم واتجاهاتهم نحو مرضاهم وطلابهم حيث يبدون نحوهم الاحترام والاعتبار والتقدير لهم کأفراد, والتقبل مفهوم موضوعى فى طبيعته ويستبعد الأحکام القيمية والانغماس الانفعالى, حيث يمکن للفرد أن يعبر عن تقبله لأفراد لا يعجبه سلوکهم أو لا يوافق عليه.
     کما أشار "عبد الفتاح دويدار" (1991, 238) إلى أن مفهوم الذات يتکون نتيجة الأحکام والتقديرات التى يتلقاها الفرد من الأفراد المحيطين به, وخاصة من ذوى الأهمية الانفعالية فى حياته کالوالدين والمعلمون.
     ووضح "عبد السلام عبد الغفار" (1996, 216) مفهوماً لتقبل الذات وهو "أن يدرک الفرد ما زود به من إمکانات, وقدراته, ورغباته, وينجح فى تحقيقها, وأن يرضى عن نجاحه فى  تحقيق ما زود به, وأن يدرک کذلک أن الناس يختلفون فيما بينهم من حيث ما زودوا به من إمکانات سواء أکانت عقلية معرفية أو دافعية أو انفعالية, وأن هذه الاختلافات فيها خير للإنسانية, فنحن نختلف لنتکامل, ومن الخير للإنسان أن يرضى بذلک ويحاول الانتفاع بما لديه".
     وترى الباحثة أن الشخص المتقبل لذاته لديه القدرة على التکيف مع المجتمع الذى يعيش فيه, ويتعامل مع الآخرين بإنسانية دون النظر لمستواهم الاجتماعى,.. أو دينهم أو جنسهم, وهو شخص لديه القدرة على الفصل فى الحکم على سلوکياته الخاطئة وتقديره ذاته.
     ويرى "مؤمن الجموعى" (2013, 93) أنه حينما يتضخم مفهوم الذات لدى الإنسان فأنه يصاب بالغرور والإحساس بالعظمة والتعالى على الغير, مما يفقده التوافق مع الآخرين, وحينما يتسم بمفهوم متدنى عن ذاته فيحس بالدونية والنقص وعدم الثقة بالنفس, کل ذلک يؤدى إلى سوء التوافق مع الذات والآخرين.
     والأفراد حسنو التوافق لديهم نشاطاً کاملاً, وهم واعون بعالمهم, متفتحون على کل الخبرات, يعتمدون على خبراتهم الخاصة للوصول إلى القرارات, يشعرون بالحرية لاعتقادهم بأن اختياراتهم نابعة من ذواتهم ويتغيروا باستمرار لزيادة استخدامهم لإمکاناتهم المختلفة. (لندا دافيدوف Lenda Davedof: 1983, 597- 598)
     کما ترى "مارث لينهان" Marth Linhan : 2014, 277)) أن الشخص المتقبل لذاته لديه القدرة على التقييم, الاعتقاد الصحيح, وانعاش النفس بما فى ذلک أفکار المرء الخاصة, انفعالاته, ونموزج سلوکه, وهو شخص واثق من نفسه وهذا أمر غاية الأهمية فى النمو, والشخص سيئ التوافق مع ذاته لا يکون قادراً على تقييم استجاباته بنفسه بل يعتمد فى ذلک على أراء الآخرين, وغير قادر على احترام ذاته.
     وأکدت "هيلين جيلهام" "Helen Gilham" (1964, 63) على ارتباط تقبل الآخرين بتقبل الذات, فالشخص الذى لديه ثقة بنفسه يثق بالآخرين, والشخص المتقبل لذاته وللآخرين لديه رغبة للانطلاق والأخذ بيد غيره وتعريفه بذاته وعالمه الخاص, کما يکون أيضاً شديد الرغبة فى أن يدع الآخرين يقودونه إلى عوالمهم, ويعرضون عليه مشاکلهم الخاصة.
      ولتحقيق ذلک يتطلب أن تکون مادة علم النفس أکثر تشويقاً للطالب من حيث أنها تتصل بحياته النفسية والاجتماعية ومن ثم لا ينبغى أن تقدم إليه على أنها مادة للحفظ والامتحان. (منير بسيونى: 2001, 85) بل تقدم بطريقة تثير الحوار والمناقشة.
     والمعلم بذلک يکون عليه دورمزدوج, فعليه أن يزود بالمادة التعليمية من جهة, وبکيفية تعلم هذه المادة من جهة أخرى, وعليه أن يزود بالإرشادات والنواحى التى تجعل المادة مرتبطة بالطلاب وتکون ذات معنى لديهم, فالتدريس يوجه هنا لخدمة الواقع المعاش فى المجتمع, ولابد من التخلى عن الفلسفة بإعتبارها علماً صارماً, فينبغى أن تکون النظرة إليها على أنها وسيلة للارتباط بالواقع المعاش فى المجتمع. (سعاد فتحى: 2004, 51)
     وذلک يتطلب أن نقحم طلابنا فى (مواقف) يواجهون فيها قضايا ومشکلات تقابلهم فى الحياة الاجتماعية ويطالبون فيها بالتفکير وإبداء الرأى. (سعيد على: 1989, 299)
     ولکن واقع علم النفس يعتمد على التلقين والحفظ .(محمد زيدان: 1999, 177), کما يعانى من مشکلة أساسية تتلخص فى وجود فجوة بين محتوى مناهجه وطرائق تدريسه وبين الخبرة التى يحتاج إليها طالب المرحلة الثانوية فى حياته اليومية. (محمد زيدان: 2011, 27).
     وفى ضوء ماسبق تقترح الباحثة تصميم مواقف حياتية فى منهج علم النفس بالمرحلة الثانوية وقياس فاعليتها لتنمية مهارة تقبل الذات والآخرين, لما لها من دور فعال فى زيادة الدافعية عند الطلاب للتعلم, وتسمح لهم بعرض کل من جانبهم الإبداعى والتحليلى, وتساعدهم على إتقان التعلم وخلق بيئات تعليمية واقعية, فيکونون أکثر قدرة على الإحتفاظ بالتعلم (أولسون "Olson", 2009)., وتعتمد تلک المواقف الحياتية على کل من المعلم والمتعلم .
     ويشير"مارزانو وآخرون" (2000, 197: 203) إلى أن المواقف والمشکلات ذات المحتوى المنظم والمقدم من خلال محتوى تعليمى لها على الأقل ثلاثة خصائص تميزها, فهى ذات قوة دافعية تحرک الفرد إلى التعامل معها ومحاولة حلها, ويمکن تضمينها فى المحتوى الدراسى للمنهج, وقدرتها على التحدى المعرفى للعقل.
     والأخذ بالمواقف الحياتية فى تدريس مادة علم النفس قد يساعد فى تطوير مادة علم النفس بالمرحلة الثانوية بشکل جيد, وارتباط علم النفس بالمواقف الحياتية ضرورة لانفصاله عن الواقع المعيش فالمواقف الحياتية قضايا ومشکلات تربط الطالب بما يدور حوله. (محمد زيدان: 2011, 378), وتؤهله لمواجهة مثل هذه المشکلات والتعامل معها والخروج منها بصحة نفسية جيدة.
     واستخدام المواقف الحياتية فى تدريس المواد الفلسفية ضرورة, وفى ضوء ذلک تقرر "صفاء الأعسر" (1998, 51) أن الحياة سلسلة من المواقف غير المحددة وغير الواضحة المعالم, ولذلک فهى تختلف إختلافاً بيناً عن محتوى المواد العلمية وتلک المواقف المحددة التى يمکن حلها باستخدام قواعد محفوظة مسبقاً وهذا التباعد بين مواقف الحياة ومحتوى المقررات الدراسية يجب أن يکون مرکز إهتمام المعلم الذى يخطط ويراقب ويقيم بما يحقق تنمية مهارات التلاميذ لمواجهة مشکلات الحياة غير محددة الأبعاد.
     ومن الضرورى الإشارة إلى تعدد أنواع المواقف الحياتية فى تدريس علم النفس بالمرحلة الثانوية, والحقيقة أن هذه المواقف کلمة عامة شاملة لکل من المواقف القرآنية, المواقف النبوية الشريفة, المواقف الفلسفية, المواقف الاجتماعية وهى مواقف نابضة بالحياة تتداخل معاً وتفسر بعضها بعضاً. (محمد زيدان: 2011, 53).

الكلمات الرئيسية