فاعلية استراتيجية التخيل فى تدريس الفلسفة لتنمية مهارات التفکير الأخلاقي لدي طلاب المرحلة الثانوية

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

المستخلص

    تواجه منظومة التعليم تحديات کبيرة فى ظل ثورة المعلومات والاتصالات والطفرة التکنولوجية المعاصرة ، وما أفرزته من مواقف ومشکلات ترکت انعکاساتها على الأنظمة التربوية التى أضحى لزاماٌ عليها أن تعد الإنسان ليعيش فى القرن الحادى والعشرين ، ويواجه مستقبلاٌ مليئا بالتحديات.
     مما لا شک فيه أن موضوع الأخلاق من الأمور شديدة الأهمية فهى تتصل اتصالاٌ وثيقاٌ بالعملية التعليمية ، تعد الأخلاق moral  حجر الأساس لبناء المجتمع المتکامل وهى الدعامة القوية لحفظ کيان المجتمع ، حيث ترتفع بها النفوس إلي أعلى المراتب ، ويستطيع الأفراد عن طريقها إعطاء مفهوم حقيقى للإنسانية ، کما أنها جانب مهم من جوانب شخصية الإنسان لأنها تؤدى وظيفة کبيرة فى تحديد سلوک الفرد وأسلوب تفاعله  الاجتماعى وعلاقته بالآخرين.
     وتوجد الأخلاق حيث يوجد الإنسان ، وهو ما يميزه کاکائن عاقل عن غيره من الکائنات ، حيث أن الکائنات الحية الآخرى غير قادرة على اصدار الحکم الأخلاقى، فهى لا تستطيع أن تکتشف الحق والباطل ، أو تميز بين الفضيلة والرذيلة ، وهى غير قادرة على صياغة المبادئ والمعايير الأخلاقية ، وبالتالى غير قادرة على ممارسة الفعل الأخلاقى، فالإنسان وحده إذن هو الکائن الأخلاقى ([i]).
     وتشکل الأخلاق فى کل أمة أساس تقدمها ورمز حضارتها وثمرة عقيدتها ومبادئها وقد جاءت الرسالات السماوية لتحث الناس على الالتزام بالأخلاق ،الأخلاق هى أساس بقاء الأمم والمجتمعات خاصة بعد أن اصبحت الشکوى ظاهرة على جميع المستويات ،حيث اهتزاز القيم الأخلاقية ؛وتعدد المشکلات النفسية ؛وکذلک المشکلات الاجتماعية التى تعانى منها المجتمعات.
     ويقول مارتن لوثر Marten Louther"""ليست سعادة البلاد بوفرة إيرادها ولا بقوة حصونها ولا بجمال بنائها، وإنما بعدد المهذبين من أبنائها وبعدد الرجال ذوى التربية والأخلاق فيها ، کما يتفق معه الفيلسوف کانط "kant" حيث يقول "إن النقص الحاصل من إهمال التهذيب أشد وطأة وأضر بالإنسان من نقص التعليم([ii]) .
     والإنسان السوى لا يستطيع أن يستغنى عن الاهتمام بالمسألة الأخلاقية فى حياته اليومية بل فى أى لحظة من لحظات حياته ،لأن الأخلاق – فى حقيقة الأمر – ضرورة الحياة العملية ، وهذه الضرورة فى إلحاح مستمر فى توجيه سلوکنا اليومى :ماذا نفعل ؟ وماذا نترک ؟ لذا کان لابد من وجود مقياس ومعيار للحکم على تصرفاتنا ،وتصرفات الآخرين من حولنا ، لذا کان الأهتمام بالأخلاق والتفکير الأخلاقى حاجة ماسة تستحق الدراسة
     ويعد تنمية التفکير الأخلاقى  ذات أهمية بالغة فى تکوين شخصية الفرد حيث تتکون هذه الشخصية من کيان واحد ، والجانب الأخلاقى هو أرقى ما يميز هذه الشخصية.
     ويعتبر نمو التفکير الأخلاقى أحد مظاهر النمو المعرفى والاجتماعى حيث يمثل التفکير الأخلاقى أحد المکونات الأساسية لشخصية الأفراد والذى يمکن من خلاله الحکم على مدى سوائهم أو انحرافهم ، ولا شک أن اضطراب هذا الجانب من الشخصية عامل من العوامل المسببة لما هو قائم اليوم من مشکلات اجتماعية ؛ فکثير من مشکلات المجتمع الراهنة ما هى الإ تعبيرات عن أزمة أخلاقية  ، ولعل الأهمية القصوى لنمو التفکير الأخلاقى تأتى کون المبادئ الأخلاقية عنصر أساسى من عناصر وجود المجتمع وبقائه ([iii]).
     ويخضع الجانب الاخلاقى فى بنية الشخصية لعملية نمو شأنه فى ذلک شأن الجوانب الآخرى للشخصية ، يعتقد کولبرج "Kohlberg"  أن الأخلاق لا تنمو مرة واحدة ، بل تخضع لسلسة من المراحل يکون تتابع هذه المراحل منتظماٌ ، أى أن کل فرد لابد وأن يمر بمراحل النمو الأخلاقى بصورة هرمية ، وقد يسير الأطفال خلال هذه المراحل بسرعات مختلفة .  ولا يحدث أن يتخطى أى فرد مرحلة معينة إلى أخرى أعلى منها ،إلا أن البعض فقط هم الذين يصلون إلى المرحلة السادسة من المراحل الستة لکولبرج . ويعد النمو الأخلاقى نتاجاٌ لتفاعل عوامل التنشئة الاجتماعية والأخلاقية مع النمو المعرفى العقلى([iv]) .
     ويتعلق التفکير الأخلاقى بالطريقة التى يصل بها الفرد إلى حکم معين سواء بالصواب أو بالخطأ على مواقف أخلاقية وقيمية وهو يختلف عن السلوک الأخلاقى الذى تتحکم فيه عوامل متعددة ،والتفکير الاخلاقى هو نمط التفکير الذى يتعلق بالتقييم الأخلاقى للأشياء أو الأحداث وهو يسبق کل سلوک أو فعل أخلاقى ؛ فقد يتفق الکثيرون أن السرقة خطأ وهذه هى القيمة الأخلاقية  (حيث تشير إلى ما يعتقد الفرد أنه صواب وما يعتقد أنه خطأ) ولکنهم قد يختلفون فى طريقة الوصول إلى هذا الحکم فبعضهم يصل اليه عن طريق الانصياع لمعايير المجتمع وبعضهم على أساس مبادىء عامة تنادى بعد الاضرار بالآخرين ،أما السلوک الأخلاقى فهو سلوک معقد يتضمن بداخله عناصر متعددة تؤثر فى حدوثه ، والتفکير الأخلاقى ما هو إلا أحد هذه العناصر([v]) .
    وأوضح إبراهيم قشقوش أن النمو الأخلاقى يتضمن عملية متصلة يعيشها الفرد بهدف أقامة نوع من المؤاءمة بين نظرة أخلاقية معينة وخبرة الفرد فيما يتعلق بالحياة فى عالم اجتماعى يتبنى هذه النظرة ([vi]).
     ولعل الحاجة ماسة فى الآونة الأخيرة إلى الاهتمام بالتفکير الأخلاقى والاستراتيجيات التى تساعد على تنميته ودفعه إلى مستويات أرقى وذلک لما استشرى فى عصرنا من مظاهر الفساد وانحلال أخلاقى وتفشى فقدان الاحترام بين البشر الذين يعيشون معهم وشيوع للأنماط السلوکية غير السوية بين أبنائنا وطلابنا کالسرقة والاستهتار والغش في الامتحانات وعدم الالتزام بقواعد النظام والکذب وعدم احترام المواعيد واستخدام الألفاظ البذيئة واهمال النظافة ،ومن هنا فالمربون مدعوون إلى معالجة المشکلات التى برزت في مجتمعهم .
     ويؤکد " إبراهيم ناصر" أن العالم المعاصر يتعرض لموجة من الهزات الأخلاقية المتتابعة والتى تتمثل فى مظاهر مختلفة من الممارسات ، وأنماط السلوک الفردية والسياسية الجماعية التى تسلب الأفراد والجماعات السعادة والأمن والاستقرار وتضعف العلاقات فى ميادين الحياة المختلفة ، فنحن نعيش فى عالم اليوم فى أزمة أخلاقية حيث المفاهيم المقلوبة والمصطلحات المشوهة والسلوکيات المهزوزة ([vii]).
     ويرى عدد من المسئوولين أنه يجب العمل على معالجة جذرية لهذه الأزمة من حيث تنبت وتنبع من أجل احتواء نتائجها ، فنحن نواجه تحديات حيوية ذات طابع سيکولوجى وتربوى بالدرجة الأولى ، والمسألة برمتها تدور حول القيمة الأخلاقية :أى ما هو جيد وما هو سىء؟ وما هو صحيح أو خاطىء؟ وما هو خير أو شر؟ وتلک هى مسألة أخلاقية ([viii]) .
کما أکد "محمد زيدان " أن الفلسفة ليست مجرد مذاهب واتجاهات مختلفة، ولکنها بالدرجة الأولى طريقة للتفکير واتجاه فى مواجهة المشکلات المختلفة .ومن أجل ذلک فإن الاهتمام بتدريس مادة الفلسفة يجب ألا يقتصر على تلقين المذاهب والاتجاهات الفلسفية للطلاب، ويجب الاهتمام باکتسابهم مهارات التفکير([ix]).
     ومن هنا تقترح الباحثة امکانية تنمية مهارات التفکير الأخلاقى والاستقلال الذاتى فى تدريس مادة الفلسفة باستخدام استراتيجية التخيل، حيث يمکن استخدام التخيل فى أى درس وفى أى وقت  فمن السهل على کل إنسان أن يتخيل ،بل نحن نمارس فعليا التخيل عدة مرات فى اليوم الواحد .
    واستخدام التخيل کاستراتيجية تدريس يمکن أن يحقق ما يلى([x]).
1-  يثير مشارکة فاعلة وحقيقية من الطالب(عندما يتخيل نفسه طرفاٌ فاعلاٌ مفکراٌ فى کيفية
سلوک الاشياء)0
2-  إن ما نتعلمه عبر التخيل هو أشبه بخبرة حية من شأنها أن تبقى فى ذاکراتنا.
3-  التخيل يعلمنا معلومات وحقائق وعلاقات بجانب أنه مهارة تفکير إبداعية تقودنا إلى اکتشافات
وطرق جديدة ة "الابحار فيما نتعلمه".
4-  التعلم التخيلى تعلم إتقانى لأننا نعيش الحدث ونستمتع به.


 

الكلمات الرئيسية